عبد العزيز الداخل
_18 _April _2013هـ الموافق 18-04-2013م, 07:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
زاد المتفقه
الدرس الأول: مقدمات في فقه الطهارة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن الفقه في الدين فضيلة عظيمة، ومنقبة كريمة، من تحلى بها كان ممن أراد الله بهم خيراً ؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من يرد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين )) متفق عليه من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وكان فقهه في الدين من أسباب خيريته ورفعته، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقُهوا )).
وقال: ((خياركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فَقُهوا )) رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت وفقه في الدين)). رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والفقه في الدين يشتمل علىفقه كتاب الله تعالى وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات والآداب وغيرها من أمور الدين.
ومنه ما هو فرض عين: وهو ما يصح به إسلام العبد وما يتوقف عليه أداء العبادات الواجبة واجتناب ما حرم الله.
ومنه ما هو فرض كفاية على الأمة: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
وقد دلت هذه الآية على أن العلم الشرعي سبب للنجاة من سخط الله وعقابه؛ وأن من العلم ما يجب على العبد تعلمه ليحذر من عقاب الله وينجو منه، وأن من لم يكن من الفقهاء فإنه يجب عليه أن يسأل أهل الفقه عما يشكل عليه من أمر دينه، ويجب عليه أن يستجيب لما يُنذر به، ويحذَر مما يُحذَّر منه.
ولأهمية مسائل الاعتقاد أفردها الأئمة في مصنفات قيّمة جامعة، وأفردوا مسائل فقه الأحكام الشرعية في مصنفات أخرى تيسيراً على طلبة العلم.
وينبغي لطالب العلم أن يأخذ بحظ وافر من التفقه في الدين عقيدة وشريعة وأن يعتني بحفظ أدلة المسائل من الكتاب والسنة ويتفقه في معانيها وأحكامها ، وأن يسيرَ في ذلك على طريقة أهل العلم والإيمان، وأن يتبع سبيلهم، ولا يبتدعَ طريقة تخالف طريقتهم، ولا يسلك منهجاً غير منهجهم؛ فما أجمعوا عليه فهو حجة قاطعة لقول الله تعالى: {ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً}.
وما اختلفوا فيه فمردّه إلى الكتاب والسنة ، كما قال الله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
وهذا وعد من الله تعالى أنه يوفق بعض عباده لمعرفة الحق في ذلك.
ومن طلب الهدى من الله صادقاً هداه الله، ومن توكل على الله كفاه، ومن أوى إليه آواه، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، ومن علامة الاعتصام بالله اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد جرت عادة أهل العلم على ترتيب مسائل فقه العبادات على ترتيب أركان الإسلام وقدموا كتاب الطهارة على كتاب الصلاة لأن الطهارة شرط من شروط الصلاة ، وألحقوا بكتاب الطهارة ما يتصل بها من مسائل تيسيراً على المتعلمين.
كتاب الطهارة
الطهارة على قسمين: طهارة معنوية وطهارة حسية
فأما الطهارة المعنوية: فهي تزكية النفس من الكفر والفسوق والعصيان؛ قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}
وقال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}
وقال تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}
فالطهارة في هذه الآيات هي الطهارة المعنوية من رجس الذنوب وأوضار المعاصي ورين الغفلة.
وأعظم ذلك الطهارة من الشرك والبدعة، ولذلك شرع للمتوضئ أن يدعو بما ورد؛ ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)).
فشهادة أن لا إله إلا الله طهارة من الشرك، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم طهارة من البدعة، ومن جمع بين التوحيد واتباع السنة كان من أهل الجنة.
وأما الطهارة الحسية فهي النقاء من النجاسات؛ فكل ثوب وبقعة نقية من النجاسات فهي طاهرة؛ هذا من حيث المعنى اللغوي.
وأما المعنى الشرعي للطهارة فهو: ارتفاع الحدث وزوال الخبث حقيقة أو حكماً.
والحدَث: هو معنى يحدث بالبدن تنتقض به الطهارة.
والحدَث على نوعين:
النوع الأول: الحدث الأكبر، وهو الذي يكون بسبب الجنابة والحيض والنفاس، والتطهر منه يكون بالاغتسال بعد زوال المانع؛ فإذا طهرت الحائض والنفساء وجب عليها الاغتسال للصلاة، وكذلك الجنب بسبب جماع أو إنزال الماء باحتلام أو غيره يجب عليه الاغتسال للصلاة؛ لأن الصلاة لا تصحّ بغير طهارة، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها.
والمحدِث حدثاً أكبر لا يحلّ له أن يصلي ولا أن يمسّ المصحف ولا أن يمكث في المسجد إلا عابر سبيل حتى يغتسل.
والنوع الآخر: الحدث الأصغر كالخارج من السبيلين والنوم، ويرتفع هذا الحدث بالوضوء.
وارتفاع الحَدَث شرط لصحة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية في صحيح البخاري: قال رجل من حضرموت: وما الحدَثُ يا أبا هريرة؟
قال: (فُسَاء أو ضراط).
أَحْدَثَ أي: حصل منه الحدَث الذي ينتقض به الوضوء.
وتفسير أبي هريرة هو من باب التمثيل، والتنبيه بالأخف على الأغلظ.
والفُسَاء هو الريح التي تخرج بلا صوت يسمع.
والضُّراط ما كان مع صوت مسموع.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا تُقبل صلاة بغير طُهور، ولا صدقة من غلول)).
الطُّهور بضمّ الطاء: التطهر من الحدث والخبث.
والطَّهور بفتح الطاء هو ما يُتَطهَّر به من الماء وغيره، قال الله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً}.
والخَبَثُ هو النجاسة، وزوالها عند القدرة على ذلك شرط لصحة الصلاة.
فالنجاسة إذا كانت على البدن أو الثياب أو البقعة التي يصلى عليها وجبت إزالتها على القادر على ذلك؛ فإن تعذَّرت إزالتها ولو بتأخير الصلاة إلى آخر وقتها جاز له أن يصلي على حاله؛ كالمريض والأسير المقيّد وغيرهما ممن لا يستطيع تطهير نفسه من النجاسة ؛ فإنهم يصلّون على حالهم.
والنجاسة على نوعين:
النوع الأوَّل: النجاسة المعنوية، وهي النجاسة التي وصفت بها الأعمالُ الخبيثة، وأسبابها، ومن يقوم بها، كما قال الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، وقال في المنافقين: {فأعرض عنهم إنهم رجس} وقال في الزناة: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات}
وقد عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزنا ومقدماته من القاذورات، فقال: ((اجتنبوا هذه القاذوراتِ التي نهى الله تعالى عنها؛ فمن ألمَّ بشيء منها؛ فليستترْ بستر الله، و ليتب إلى الله؛ فإنه مَن يُبْدِ لنا صفحتَه نُقِمْ عليه كتابَ الله)). رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر، وقد حسَّنه العراقي، وصححه الألباني، وهو في الموطأ أيضاً من مرسل زيد بن أسلم.
فالشرك والنفاق والزنا والفجور من الأعمال الخبيثة ، وصاحبها خبيث بسبب ما ارتكبه من الأعمال الخبيثة، لكن نجاسته معنوية ليست بحسية، والتطهر من هذه النجاسات إنما يكون بالتوبة والإيمان؛ فإذا تاب وآمن فهو مؤمن طاهر من هذه الأعمال الخبيثة؛ كالثوب إذا غسل وطهر لم يعد للنجاسة فيه أثر.
والمعاصي كلها لها نصيب من وصف النجاسة ، وإن كانت النجاسات على درجات فليست نجاسة الشرك كنجاسة معاصي المسلمين، وليست نجاسة الكبائر كنجاسة الصغائر واللَّمَم.
بل إنَّ التطهُّرَ المعنويَّ يُشْرَعُ من رَيْنِ الغفلة وغَيْنِ القلبِ، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في استفتاح الصلاة: (( اللهم نقني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء البارد)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويسنُّ للمؤمن أن يدعو بهذا الدعاء ليجمع بين طهارة الروح والبدن.
النوع الثاني: النجاسة الحسّية، وهي كل مادّة محسوسة حَكَم الشرع بنجاستها لذاتها لا لوصفها المعنوي؛ كالبول، والحيض، والكلب، والخنزير، والميتة.
والنجاسة الحسية على قسمين:
القسم الأول: النجاسة العينية، والمراد بها الأعيان النجسة كالتي سبق التمثيل بها.
والقسم الثاني: النجاسة الحُكْمية، وهي الأعيان الطاهرة التي نجَّسَتها الأعيان النجسة.
مثال ذلك: الثوب المنسوج من خيوط طاهرة؛ إذا وقعت عليه نجاسة فحكمه أنه نجس؛ فإذا أزيلت النجاسة حُكِم بأنه طاهر.
والفرق بين النجاسة العينية والنجاسة الحكمية: أن النجاسة العينية لا يمكن تطهيرها؛ فالكلب لو غسل مائة مرة فهو نجس عين لا يطهر أبداً.
وأما الإناء الذي ولغ فيه الكلب فهو إناء نجس حُكماً لا عيْناً؛ فإذا غُسِلَ سبع غسلات إحداها بالتراب حكم بطهارته.
الفرق بين الوسخ والنجاسة:
ومما ينبغي أن يُعلم أنه ليس كلّ وَسَخ نجاسة؛ فما يكون على الثوب من أثر الغبار والعرق وتغير لونه بذلك أو ببعض الأصباغ الطاهرة لا يجعله ثوباً نجساً؛ بل هو طاهرٌ وإن لم يكن نظيفاً.
وبارتفاع الحدَث وزوال الخبَث تتحقق الطهارة .
حكم الطهارة:
والطهارة واجبة إذا حضر ما تجب له الطهارة؛ وأعظم ذلك الصلاة؛ قال النووي: (أجمعت الأمّة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة).
فإذا حضرت الصلاة وجب على المحدث أن يتطهّر ، ولا يجوز له أن يؤخّر الصلاة عن وقتها، وكذلك إذا أراد الجنب أن يمكث في المسجد وجب عليه أن يغتسل، ولا يحلّ له أن يمكث في المسجد وهو جنب إلا عابر سبيل ؛ كأنْ يدخل من باب ويخرج من باب لحاجته إلى ذلك.
ومن كان في وقته فسحة فله أن يؤخّر التطهر من الحدث إلى حين الوقت الذي يجب فيه التطهر؛ كالذي يحتلم في أوّل النهار فله أن يؤخّر التطهر – إن شاء- إلى حين وجوب صلاة الظهر.
شروط وجوب الطهارة:
والطهارة من الحدث واجبة على كل محدِثٍ، بالغ، عاقل، قادر على التطهّر، عالمٍ بوجوب الطهارة وكيفية التطهر.
فأمّا غير المحدث فلا يجب عليه أن يعيد التطهّر إذا حضرت الصلاة وهو على وضوء سابق لم ينتقض.
وأمّا غير البالغ؛ فلا يجب عليه التطهّر من الحدث لعدم تكليفه بالأحكام الشريعة؛ فإن كان مميّزاً صحّ منه التطهّر وأثيب عليه إن فعله؛ ويستحبّ لوليّه أن يعوّده على الصلاة والتطهّر لها.
وأمّا غير العاقل وهو المجنون ومن ذهب عقله لعلّة فإنه لا يجب عليه التطهّر حتى يرجع إليه عقله؛ لأن حضور العقل شرط في التكليف بأحكام الشرع.
وأمّا غير القادر على التطهّر لمرضٍ أو عجزٍ ونحوهما فإنّه يخفف عنه فإن كان قادراً على التيمم تيمّم وإن لم يقدر عليه صلّى على حاله، ويعتبر طاهراً حكماً.
وأمّا الجاهل الذي لا يعلم بوجوب الطهارة كمن نشأ في مكان فيه جهل عظيم بأحكام الدين أو أسلم حديثاً ولم يعلم بما يوجب الحدث وما يرفعه ؛ فإنّه يُعذر بجهله؛ لأن الله تعالى لا يعّذب أحداً لم تقم عليه الحجة الرّسالية كما قال تعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً}
ويجب عليه أن يتفقّه في الدين ما استطاع ، ويجب على من يعلم بحاله من المسلمين أن يعلّمه ويرشده.
وكذلك يقال في الذي يعلم بوجوب التطهّر لكنه لا يدري كيف يتوضّأ، ولا كيف يغتسل الاغتسال الصحيح.
وهذا قد يقع لبعض الناس إذا قلّ العلم وانتشر الجهل، وعلى الفقيه أن يكون عالماً بأحكام هؤلاء عند الحاجة إليه في الفتوى والتعليم.
شروط صحّة الطهارة:
وأمّا شروط صحّة الطهارة فهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنيّة، وزوال ما يمنع الطهارة مع القدرة، والإتيان بالقدر المجزئ من التطهّر، ودخول الوقت لمن كان حدثه دائماً.
فأما اشتراط الإسلام فذلك لأن الطهارة عبادة والعبادة لا تصحّ من الكافر حتّى يسلم.
وأما العقل فلأن من لا عقل له لا نيّة له.
وأمّا التمييز فلأن الصغير غير المميّز لا تصح منه النية.
وأمّا النية فلأن الوضوء عمَل ولا يصحّ العمل إلا بنيّة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)). فهي شرط في الوضوء والاغتسال والتيمم؛ وأمّا إزالة النجاسة فلا يشترط لها النيّة لأنها من باب التروك؛ أي ما يُطلب تركه والتخلّص منه.
والنيّة محلها القلب، والتلفّظ بها بدعة.
وأمّا زوال ما يمنع التطهّر فله أمثلة: منها الحيض والنفاس ؛ فلا يصحّ تطهّر المرأة حتى تطهر من حيضها ونفاسها، ومن توضّأت وهي حائض لم يصحّ منها.
ويستثنى من ذلك الجنب إذا أراد النوم فإنّه يسنّ له أن يتوضأ للحديث الصحيح في ذلك، لكنّه لا يصلّي بهذا الوضوء حتى يغتسل.
وكذلك من وضع شيئاً يمنع وصول الماء إلى البشرة في مواضع الوضوء فإنه يجب عليه إزالته إلا ما وردت الرخصة فيه كالخفّين والجبيرة واللصوق التي توضع على الجروح ونحوها.
وأمّا الإتيان بالقدر المجزئ من التطهّر فيأتي بيانه في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.
وأما دخول الوقت فهو شرط صحّة لمن كان حَدَثُه دائماً كالمستحاضة ومن به سلَس بول ونحوهما فهؤلاء يتوضؤون لكل صلاة ثم يصلون ولو استمرّ الحدث معهم ولم ينقطع بعد الوضوء كما سيأتي بيانه في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.
ما تحصل به الطهارة:
يتلخّص مما سبق بيانه أن الطهارة من الخبث تكون بإزالته عند القدرة على ذلك، وأن الطهارة من الحدث الأكبر تكون بالاغتسال، وأن الطهارة من الحدث الأصغر تكون بالوضوء، فمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله فليتيمم؛ فإن عجز عنهما صلّى حاله ويكون طاهراً حُكْماً.
ما تشترط له الطهارة:
أجمع أهل العلم على أن الطهارة من الحدثين شرط لصحّة الصلاة، واختلفوا في مسّ المصحف والطواف بالبيت للمحدث حدثاً أصغر.
وسيأتي بيان هذه المسائل في مواضعها إن شاء الله تعالى، وإنما المقصود في هذا الدرس الإلمام بالأحكام العامة للطهارة، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.
زاد المتفقه
الدرس الأول: مقدمات في فقه الطهارة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن الفقه في الدين فضيلة عظيمة، ومنقبة كريمة، من تحلى بها كان ممن أراد الله بهم خيراً ؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من يرد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين )) متفق عليه من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وكان فقهه في الدين من أسباب خيريته ورفعته، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقُهوا )).
وقال: ((خياركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فَقُهوا )) رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت وفقه في الدين)). رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والفقه في الدين يشتمل علىفقه كتاب الله تعالى وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات والآداب وغيرها من أمور الدين.
ومنه ما هو فرض عين: وهو ما يصح به إسلام العبد وما يتوقف عليه أداء العبادات الواجبة واجتناب ما حرم الله.
ومنه ما هو فرض كفاية على الأمة: إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
وقد دلت هذه الآية على أن العلم الشرعي سبب للنجاة من سخط الله وعقابه؛ وأن من العلم ما يجب على العبد تعلمه ليحذر من عقاب الله وينجو منه، وأن من لم يكن من الفقهاء فإنه يجب عليه أن يسأل أهل الفقه عما يشكل عليه من أمر دينه، ويجب عليه أن يستجيب لما يُنذر به، ويحذَر مما يُحذَّر منه.
ولأهمية مسائل الاعتقاد أفردها الأئمة في مصنفات قيّمة جامعة، وأفردوا مسائل فقه الأحكام الشرعية في مصنفات أخرى تيسيراً على طلبة العلم.
وينبغي لطالب العلم أن يأخذ بحظ وافر من التفقه في الدين عقيدة وشريعة وأن يعتني بحفظ أدلة المسائل من الكتاب والسنة ويتفقه في معانيها وأحكامها ، وأن يسيرَ في ذلك على طريقة أهل العلم والإيمان، وأن يتبع سبيلهم، ولا يبتدعَ طريقة تخالف طريقتهم، ولا يسلك منهجاً غير منهجهم؛ فما أجمعوا عليه فهو حجة قاطعة لقول الله تعالى: {ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً}.
وما اختلفوا فيه فمردّه إلى الكتاب والسنة ، كما قال الله تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
وهذا وعد من الله تعالى أنه يوفق بعض عباده لمعرفة الحق في ذلك.
ومن طلب الهدى من الله صادقاً هداه الله، ومن توكل على الله كفاه، ومن أوى إليه آواه، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، ومن علامة الاعتصام بالله اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد جرت عادة أهل العلم على ترتيب مسائل فقه العبادات على ترتيب أركان الإسلام وقدموا كتاب الطهارة على كتاب الصلاة لأن الطهارة شرط من شروط الصلاة ، وألحقوا بكتاب الطهارة ما يتصل بها من مسائل تيسيراً على المتعلمين.
كتاب الطهارة
الطهارة على قسمين: طهارة معنوية وطهارة حسية
فأما الطهارة المعنوية: فهي تزكية النفس من الكفر والفسوق والعصيان؛ قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}
وقال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}
وقال تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}
فالطهارة في هذه الآيات هي الطهارة المعنوية من رجس الذنوب وأوضار المعاصي ورين الغفلة.
وأعظم ذلك الطهارة من الشرك والبدعة، ولذلك شرع للمتوضئ أن يدعو بما ورد؛ ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)).
فشهادة أن لا إله إلا الله طهارة من الشرك، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم طهارة من البدعة، ومن جمع بين التوحيد واتباع السنة كان من أهل الجنة.
وأما الطهارة الحسية فهي النقاء من النجاسات؛ فكل ثوب وبقعة نقية من النجاسات فهي طاهرة؛ هذا من حيث المعنى اللغوي.
وأما المعنى الشرعي للطهارة فهو: ارتفاع الحدث وزوال الخبث حقيقة أو حكماً.
والحدَث: هو معنى يحدث بالبدن تنتقض به الطهارة.
والحدَث على نوعين:
النوع الأول: الحدث الأكبر، وهو الذي يكون بسبب الجنابة والحيض والنفاس، والتطهر منه يكون بالاغتسال بعد زوال المانع؛ فإذا طهرت الحائض والنفساء وجب عليها الاغتسال للصلاة، وكذلك الجنب بسبب جماع أو إنزال الماء باحتلام أو غيره يجب عليه الاغتسال للصلاة؛ لأن الصلاة لا تصحّ بغير طهارة، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها.
والمحدِث حدثاً أكبر لا يحلّ له أن يصلي ولا أن يمسّ المصحف ولا أن يمكث في المسجد إلا عابر سبيل حتى يغتسل.
والنوع الآخر: الحدث الأصغر كالخارج من السبيلين والنوم، ويرتفع هذا الحدث بالوضوء.
وارتفاع الحَدَث شرط لصحة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية في صحيح البخاري: قال رجل من حضرموت: وما الحدَثُ يا أبا هريرة؟
قال: (فُسَاء أو ضراط).
أَحْدَثَ أي: حصل منه الحدَث الذي ينتقض به الوضوء.
وتفسير أبي هريرة هو من باب التمثيل، والتنبيه بالأخف على الأغلظ.
والفُسَاء هو الريح التي تخرج بلا صوت يسمع.
والضُّراط ما كان مع صوت مسموع.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا تُقبل صلاة بغير طُهور، ولا صدقة من غلول)).
الطُّهور بضمّ الطاء: التطهر من الحدث والخبث.
والطَّهور بفتح الطاء هو ما يُتَطهَّر به من الماء وغيره، قال الله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً}.
والخَبَثُ هو النجاسة، وزوالها عند القدرة على ذلك شرط لصحة الصلاة.
فالنجاسة إذا كانت على البدن أو الثياب أو البقعة التي يصلى عليها وجبت إزالتها على القادر على ذلك؛ فإن تعذَّرت إزالتها ولو بتأخير الصلاة إلى آخر وقتها جاز له أن يصلي على حاله؛ كالمريض والأسير المقيّد وغيرهما ممن لا يستطيع تطهير نفسه من النجاسة ؛ فإنهم يصلّون على حالهم.
والنجاسة على نوعين:
النوع الأوَّل: النجاسة المعنوية، وهي النجاسة التي وصفت بها الأعمالُ الخبيثة، وأسبابها، ومن يقوم بها، كما قال الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، وقال في المنافقين: {فأعرض عنهم إنهم رجس} وقال في الزناة: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات}
وقد عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزنا ومقدماته من القاذورات، فقال: ((اجتنبوا هذه القاذوراتِ التي نهى الله تعالى عنها؛ فمن ألمَّ بشيء منها؛ فليستترْ بستر الله، و ليتب إلى الله؛ فإنه مَن يُبْدِ لنا صفحتَه نُقِمْ عليه كتابَ الله)). رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر، وقد حسَّنه العراقي، وصححه الألباني، وهو في الموطأ أيضاً من مرسل زيد بن أسلم.
فالشرك والنفاق والزنا والفجور من الأعمال الخبيثة ، وصاحبها خبيث بسبب ما ارتكبه من الأعمال الخبيثة، لكن نجاسته معنوية ليست بحسية، والتطهر من هذه النجاسات إنما يكون بالتوبة والإيمان؛ فإذا تاب وآمن فهو مؤمن طاهر من هذه الأعمال الخبيثة؛ كالثوب إذا غسل وطهر لم يعد للنجاسة فيه أثر.
والمعاصي كلها لها نصيب من وصف النجاسة ، وإن كانت النجاسات على درجات فليست نجاسة الشرك كنجاسة معاصي المسلمين، وليست نجاسة الكبائر كنجاسة الصغائر واللَّمَم.
بل إنَّ التطهُّرَ المعنويَّ يُشْرَعُ من رَيْنِ الغفلة وغَيْنِ القلبِ، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في استفتاح الصلاة: (( اللهم نقني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء البارد)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويسنُّ للمؤمن أن يدعو بهذا الدعاء ليجمع بين طهارة الروح والبدن.
النوع الثاني: النجاسة الحسّية، وهي كل مادّة محسوسة حَكَم الشرع بنجاستها لذاتها لا لوصفها المعنوي؛ كالبول، والحيض، والكلب، والخنزير، والميتة.
والنجاسة الحسية على قسمين:
القسم الأول: النجاسة العينية، والمراد بها الأعيان النجسة كالتي سبق التمثيل بها.
والقسم الثاني: النجاسة الحُكْمية، وهي الأعيان الطاهرة التي نجَّسَتها الأعيان النجسة.
مثال ذلك: الثوب المنسوج من خيوط طاهرة؛ إذا وقعت عليه نجاسة فحكمه أنه نجس؛ فإذا أزيلت النجاسة حُكِم بأنه طاهر.
والفرق بين النجاسة العينية والنجاسة الحكمية: أن النجاسة العينية لا يمكن تطهيرها؛ فالكلب لو غسل مائة مرة فهو نجس عين لا يطهر أبداً.
وأما الإناء الذي ولغ فيه الكلب فهو إناء نجس حُكماً لا عيْناً؛ فإذا غُسِلَ سبع غسلات إحداها بالتراب حكم بطهارته.
الفرق بين الوسخ والنجاسة:
ومما ينبغي أن يُعلم أنه ليس كلّ وَسَخ نجاسة؛ فما يكون على الثوب من أثر الغبار والعرق وتغير لونه بذلك أو ببعض الأصباغ الطاهرة لا يجعله ثوباً نجساً؛ بل هو طاهرٌ وإن لم يكن نظيفاً.
وبارتفاع الحدَث وزوال الخبَث تتحقق الطهارة .
حكم الطهارة:
والطهارة واجبة إذا حضر ما تجب له الطهارة؛ وأعظم ذلك الصلاة؛ قال النووي: (أجمعت الأمّة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة).
فإذا حضرت الصلاة وجب على المحدث أن يتطهّر ، ولا يجوز له أن يؤخّر الصلاة عن وقتها، وكذلك إذا أراد الجنب أن يمكث في المسجد وجب عليه أن يغتسل، ولا يحلّ له أن يمكث في المسجد وهو جنب إلا عابر سبيل ؛ كأنْ يدخل من باب ويخرج من باب لحاجته إلى ذلك.
ومن كان في وقته فسحة فله أن يؤخّر التطهر من الحدث إلى حين الوقت الذي يجب فيه التطهر؛ كالذي يحتلم في أوّل النهار فله أن يؤخّر التطهر – إن شاء- إلى حين وجوب صلاة الظهر.
شروط وجوب الطهارة:
والطهارة من الحدث واجبة على كل محدِثٍ، بالغ، عاقل، قادر على التطهّر، عالمٍ بوجوب الطهارة وكيفية التطهر.
فأمّا غير المحدث فلا يجب عليه أن يعيد التطهّر إذا حضرت الصلاة وهو على وضوء سابق لم ينتقض.
وأمّا غير البالغ؛ فلا يجب عليه التطهّر من الحدث لعدم تكليفه بالأحكام الشريعة؛ فإن كان مميّزاً صحّ منه التطهّر وأثيب عليه إن فعله؛ ويستحبّ لوليّه أن يعوّده على الصلاة والتطهّر لها.
وأمّا غير العاقل وهو المجنون ومن ذهب عقله لعلّة فإنه لا يجب عليه التطهّر حتى يرجع إليه عقله؛ لأن حضور العقل شرط في التكليف بأحكام الشرع.
وأمّا غير القادر على التطهّر لمرضٍ أو عجزٍ ونحوهما فإنّه يخفف عنه فإن كان قادراً على التيمم تيمّم وإن لم يقدر عليه صلّى على حاله، ويعتبر طاهراً حكماً.
وأمّا الجاهل الذي لا يعلم بوجوب الطهارة كمن نشأ في مكان فيه جهل عظيم بأحكام الدين أو أسلم حديثاً ولم يعلم بما يوجب الحدث وما يرفعه ؛ فإنّه يُعذر بجهله؛ لأن الله تعالى لا يعّذب أحداً لم تقم عليه الحجة الرّسالية كما قال تعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً}
ويجب عليه أن يتفقّه في الدين ما استطاع ، ويجب على من يعلم بحاله من المسلمين أن يعلّمه ويرشده.
وكذلك يقال في الذي يعلم بوجوب التطهّر لكنه لا يدري كيف يتوضّأ، ولا كيف يغتسل الاغتسال الصحيح.
وهذا قد يقع لبعض الناس إذا قلّ العلم وانتشر الجهل، وعلى الفقيه أن يكون عالماً بأحكام هؤلاء عند الحاجة إليه في الفتوى والتعليم.
شروط صحّة الطهارة:
وأمّا شروط صحّة الطهارة فهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنيّة، وزوال ما يمنع الطهارة مع القدرة، والإتيان بالقدر المجزئ من التطهّر، ودخول الوقت لمن كان حدثه دائماً.
فأما اشتراط الإسلام فذلك لأن الطهارة عبادة والعبادة لا تصحّ من الكافر حتّى يسلم.
وأما العقل فلأن من لا عقل له لا نيّة له.
وأمّا التمييز فلأن الصغير غير المميّز لا تصح منه النية.
وأمّا النية فلأن الوضوء عمَل ولا يصحّ العمل إلا بنيّة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)). فهي شرط في الوضوء والاغتسال والتيمم؛ وأمّا إزالة النجاسة فلا يشترط لها النيّة لأنها من باب التروك؛ أي ما يُطلب تركه والتخلّص منه.
والنيّة محلها القلب، والتلفّظ بها بدعة.
وأمّا زوال ما يمنع التطهّر فله أمثلة: منها الحيض والنفاس ؛ فلا يصحّ تطهّر المرأة حتى تطهر من حيضها ونفاسها، ومن توضّأت وهي حائض لم يصحّ منها.
ويستثنى من ذلك الجنب إذا أراد النوم فإنّه يسنّ له أن يتوضأ للحديث الصحيح في ذلك، لكنّه لا يصلّي بهذا الوضوء حتى يغتسل.
وكذلك من وضع شيئاً يمنع وصول الماء إلى البشرة في مواضع الوضوء فإنه يجب عليه إزالته إلا ما وردت الرخصة فيه كالخفّين والجبيرة واللصوق التي توضع على الجروح ونحوها.
وأمّا الإتيان بالقدر المجزئ من التطهّر فيأتي بيانه في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.
وأما دخول الوقت فهو شرط صحّة لمن كان حَدَثُه دائماً كالمستحاضة ومن به سلَس بول ونحوهما فهؤلاء يتوضؤون لكل صلاة ثم يصلون ولو استمرّ الحدث معهم ولم ينقطع بعد الوضوء كما سيأتي بيانه في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.
ما تحصل به الطهارة:
يتلخّص مما سبق بيانه أن الطهارة من الخبث تكون بإزالته عند القدرة على ذلك، وأن الطهارة من الحدث الأكبر تكون بالاغتسال، وأن الطهارة من الحدث الأصغر تكون بالوضوء، فمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله فليتيمم؛ فإن عجز عنهما صلّى حاله ويكون طاهراً حُكْماً.
ما تشترط له الطهارة:
أجمع أهل العلم على أن الطهارة من الحدثين شرط لصحّة الصلاة، واختلفوا في مسّ المصحف والطواف بالبيت للمحدث حدثاً أصغر.
وسيأتي بيان هذه المسائل في مواضعها إن شاء الله تعالى، وإنما المقصود في هذا الدرس الإلمام بالأحكام العامة للطهارة، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.